تُعَدّ إزالة الغازات من الزيت (أو ما يُعرَف بعملية نزع الغازات “Degassing”) خطوة مفصلية في صيانة وتشغيل العديد من المعدّات الصناعية، وفي مقدّمها المحوّلات الكهربائيّة. فالزيت، بوصفه وسطًا عازلًا ومبرّدًا للملفّات الداخليّة، يكتسب أهمية كبيرة في منع التآكل الحراري والتفريغ الكهربائي داخل المحوّل. لكن ومع مرور الوقت، تتسرّب بعض الغازات إلى الزيت بفعل ارتفاع درجة الحرارة والتفاعلات الكيميائية أو حتى من خلال الرطوبة والهواء المحيط. إذا لم تُعالج هذه الغازات في الوقت المناسب، فإنّ تراكمها يُضعف من فاعلية الزيت العازلة ويتسبّب بارتفاع مخاطر الأعطال والتوقّفات غير المخطّط لها.
أسباب وجود الغازات في الزيت
يعود وجود الغازات الذائبة في الزيت بشكل رئيس إلى التفاعلات الكيميائية التي تحدث بفعل الحرارة، أو احتراق موضعي للمواد العازلة الداخلية، أو تسلّل الهواء والرطوبة من البيئة الخارجية. وعندما ترتفع نسبة الغازات الذائبة—مثل الهيدروجين وأول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون وغيرها—ينخفض الجهد الكهربائي اللازم لحدوث شرارة داخل المحوّل، ما يعرّض الملفات والمواد العازلة لخطر الانهيارات الكهربائية. كذلك، قد تؤدي الغازات إلى تفاقم ظاهرة الأكسدة، إذ تتفاعل مع الزيت وتكوّن مركّبات ضارّة تسرّع من تدهور خصائصه العازلة والحرارية.
مفهوم عملية إزالة الغازات
تتمحور فكرة إزالة الغازات من الزيت حول خفض الضغط و/أو رفع درجة الحرارة بدرجة محسوبة لجعل الغازات المذابة فيه تتبخّر أو تنفصل عنه. غالبًا ما يُعتمَد على أجهزة أو وحدات تفريغ (Vacuum) لخلق بيئة ضغط منخفض يُسمح فيها لجزيئات الغاز بالتسرّب خارج الزيت. كما يترافق ذلك مع تسخين بسيط للزيت بهدف تقليل لزوجته وزيادة سهولة تحرّك الجزيئات الغازيّة نحو السطح. وبمجرّد خروج الغاز في المرحلة الأولى، يُوجَّه الزيت عادةً إلى مرشّحات أو وسط امتزازي لإزالة أي نواتج جانبية أو رطوبة متبقّية.
تقنيات شائعة لإزالة الغازات
1. التفريغ الحراري (Thermo-Vacuum): من أكثر الطرق شيوعًا في محطّات الطاقة. يُسخّن الزيت تسخينًا خفيفًا ثم يوضع في حجرة تفريغ حيث يقلّ الضغط بشدّة، فتنطلق الغازات والماء الذائب نحو وسط خارجي، ومن ثمّ يُعاد تكثيفها والتخلّص منها.
2. الطرد المركزي (Centrifugation): تستخدم هذه الطريقة قوة الطرد المركزي لفصل الغازات الخفيفة والجسيمات الدقيقة عن الزيت، وإن كانت أقلّ فاعلية في حالات التلوّث الشديد مقارنةً بالتقنيات القائمة على التفريغ.
3. المعالجة بالامتزاز (Adsorption): تُستخدَم مواد عالية المساحة السطحية مثل الطين المنشّط أو السليكا جيل لاحتجاز الغازات والمنتجات الحمضية، لكن غالبًا ما تكون هذه الخطوة مكمّلة لوحدات التفريغ وليست بديلًا كاملًا عنها.
أهميّة إزالة الغازات من الزيت
لا تقتصر فوائد نزع الغازات على مجرّد تحسين معامل العزل الكهربائي، بل تتعدّاه إلى جوانب اقتصاديّة وتشغيليّة. فزيت المحوّل الذي خضع لعملية إزالة الغازات يكون أكثر قدرة على التبريد العميق للملفّات، ما يخفض معدّل الأكسدة والتآكل الداخلي، ويُطيل في المقابل عمر المحوّل ويعزّز موثوقيّته. كما أنّ انخفاض نسبة الغازات في الزيت يقلّل من تكرار عمليات الصيانة غير المخطّط لها أو الأعطال الكارثيّة التي قد تُصيب الشبكة الكهربائيّة أو خطوط الإنتاج الصناعيّة. أضف إلى ذلك، أنّ الزيت النظيف يشكّل بديلًا مستدامًا يغني عن شراء زيت جديد على نحو مستمر، ويحدّ من النفايات النفطيّة والتكلفة المرتبطة بالتخلّص منها.
دور التكنولوجيا الحديثة
مع التطوّر الكبير في أنظمة المراقبة والقياس، بات بالإمكان تثبيت حسّاسات ذكيّة لمراقبة مستوى الغازات الذائبة في الزيت بشكل مستمر. تُحلّل هذه الحساسات البيانات المحصّلة وتُصدر تنبيهات عند تجاوز نسب معيّنة من الغازات الخطرة، ما يُتيح إجراء التدخّل الوقائي في الوقت المناسب. كذلك، تبنّت شركات متخصّصة مثل GlobeCore وغيرها حلولًا محمولة (Mobile Units) تمكّن الفرق الفنيّة من التوجّه إلى مواقع المحوّلات وإجراء عمليات إزالة الغازات في الموقع (On-site) دون الحاجة إلى فصل المحوّل لأيام طويلة أو نقل الزيت لمراكز معالجة خارجيّة.
خلاصة
تشمل عملية إزالة الغازات من الزيت مجموعة من المراحل المتكاملة التي تهدف بالدرجة الأولى إلى الحفاظ على أعلى مستويات الموثوقية في المحوّلات الكهربائيّة والمعدّات ذات الصلة. وتُشكّل هذه العمليّة استثمارًا ضروريًّا للطرفين: المُشغّلين الذين يسعون إلى إطالة عمر المعدّات والتخفيف من التكاليف التشغيليّة، والجهات البيئيّة التي تهتمّ بتقليل استهلاك الموارد النفطيّة واستخدام حلول صديقة للبيئة. ومع ازدياد الطلب على الطاقة وارتفاع معايير الاعتماديّة والجودة، يصبح اعتماد تقنيات إزالة الغازات من الزيت خيارًا لا غنى عنه في سبيل استدامة الأصول الكهربائيّة والصناعيّة وضمان كفاءة تشغيلها.