جهاز تنقية زيت المحولات: أهميّته وآليّة عمله ودوره في إطالة عمر المعدّات الكهربائيّة
يُعَدّ زيت المحوّلات عنصرًا جوهريًّا في صيانة وتشغيل المحوّلات الكهربائيّة بكفاءة عالية، إذ يقوم بدور مزدوج يجمع بين العزل الكهربائي وتبريد الملفات الداخليّة. ومع مرور الوقت، يتعرّض الزيت إلى عوامل عدّة تؤدّي إلى تدهور خصائصه العازلة وفقدان قدرته على التبريد؛ مثل تراكم الشوائب والجسيمات الصلبة والغازات والرطوبة. وفي حال عدم معالجة هذه المشكلة، قد تتعرّض المحوّلات لأعطال كبيرة أو انخفاض في الأداء التشغيلي، ما يترتّب عليه توقّفات مكلفة وانقطاع في التوريد الكهربائي. هنا تبرز أهميّة جهاز تنقية زيت المحوّلات بوصفه حلًّا فعّالًا لتجديد خصائص الزيت وإطالة العمر الافتراضي للمحوّل.
لماذا تدهور زيت المحولات؟
يتعرّض زيت المحوّلات لجملة من العوامل التي تؤثر على جودته مع الزمن:
1. الأكسدة: يؤدّي الارتفاع المستمر في درجة حرارة التشغيل إلى زيادة التفاعلات الكيميائيّة بين الزيت والأكسجين. ومع الوقت، تتكوّن مركّبات حمضيّة وشوائب تتسبّب في تغيير لزوجة الزيت وتدنّي أدائه العازل.
2. التلوّث بالرطوبة: الرطوبة هي أحد أبرز العوامل التي تقلّل من قدرة الزيت على العزل؛ إذ تكفي كميّة صغيرة من الماء لإضعاف الخصائص العازلة بشدّة وزيادة احتماليّة حدوث تفريغات كهربائيّة داخل المحوّل.
3. تسرّب الملوّثات الصلبة: قد تنتج المواد الصلبة من تآكل الأجزاء الداخليّة للمحوّل أو تدخل من البيئة الخارجيّة. ومع تراكمها، تتشكّل طبقات من الرواسب تعوق تدفّق الزيت وتحدّ من كفاءته الحراريّة.
4. الغازات الذائبة: تحت تأثير الجهود الكهربائيّة والحرارة، تتولّد بعض الغازات داخل المحوّل وتمتزج بالزيت، ممّا يؤثّر على درجة العزل الكهربائي وقدرة الزيت على التبريد.
لا يقتصر تأثير الشوائب على خصائص الزيت الكيميائيّة وحسب، بل يمتدّ إلى خواصه الفيزيائيّة التي تسمح له بالتبريد ومنع التفريغات الجزئيّة (Partial Discharges) المدمّرة. ولهذا، فإنّ الحفاظ على جودة الزيت أمر حيوي لاستدامة البنية التحتيّة الكهربائيّة.
ما هو جهاز تنقية زيت المحولات؟
جهاز تنقية زيت المحوّلات هو معدّة صناعيّة متخصّصة تهدف إلى إزالة مختلف الشوائب والرطوبة والغازات الذائبة في الزيت، واستعادة خصائصه العازلة والحراريّة إلى مستويات قريبة ممّا كانت عليه عند بدء الاستخدام. توجد أنواع متعدّدة من هذه الأجهزة، لكنّها تشترك في فكرة عامّة تقوم على معالجة الزيت عبر مراحل عدّة، تضمن التنقية العميقة وإعادة استخدام الزيت بدلًا من استبداله بآخر جديد.
المكوّنات الأساسية
1. وحدة التسخين: غالبًا ما يشمل جهاز التنقية جزءًا لتسخين الزيت تسخينًا خفيفًا، ممّا يقلّل لزوجته ويسهّل تدفّقه عبر المرشّحات. كما يساعد التسخين على سرعة تبخّر الرطوبة أثناء عملية التفريغ (Vacuum).
2. وسائط الترشيح: يمكن أن تكون فلاتر ميكانيكيّة مصنوعة من السيلولوز أو الألياف الزجاجيّة، أو مواد امتزازية مثل الطين المنشَّط (Activated Clay) والسليكا جيل، والتي تعمل على امتصاص الملوّثات الكيميائيّة والغازات الحمضيّة.
3. وحدة التفريغ (Vacuum Chamber): تُنشَأ بيئة فراغية منخفضة الضغط لسحب الماء والغازات الذائبة من الزيت عند درجات حرارة معتدلة، ما يحمي التركيبة الجزيئيّة من التلف.
4. مضخّة ومبادلات حراريّة: لضمان تدفّق الزيت المستمر، يُستخدَم نظام ضخّ متكامل ومبادلات حراريّة لضبط درجات الحرارة عند قيم معيّنة.
5. أجهزة التحكّم: تتضمّن وحدات للقياس والمراقبة المستمرّة، مثل قياس الضغط ونسبة الرطوبة ودرجة حرارة الزيت. بعض الأجهزة الحديثة توفّر شاشات رقميّة لضبط المعايير وتشخيص الأخطاء.
مراحل التنقية في الجهاز
1. المرحلة الأولى – الترشيح الميكانيكي
في البداية، يُمرّر الزيت عبر مرشّحات تزيل الجسيمات الصلبة الكبيرة والمواد العالقة. يتفاوت مستوى الترشيح حسب جودة الزيت ودرجة التلوّث، وقد تُعتمَد فلاتر متعدّدة المراحل لضمان إزالة الشوائب بأحجام مختلفة.
2. المرحلة الثانية – إزالة الماء والغازات بالتفريغ
بعد التسخين الطفيف للزيت لتخفيف لزوجته، يدخل الزيت إلى حجرة تفريغ حيث تنخفض قيمة الضغط بشدّة. في هذا الوضع، تتبخّر جزيئات الماء والغازات المذابة عند درجات حرارة أدنى من ظروف الضغط الجوي. وبذلك تنخفض نسبة الرطوبة وتخرج الغازات الضارّة التي تسبّب تدهور الخواص العازلة.
3. المرحلة الثالثة – المعالجة بالامتزاز (إن لزم الأمر)
في حالات التلوّث الكيميائي الشديد، يمرّ الزيت عبر حبيبات أو مسحوق مواد امتزازيّة نشطة. تعمل هذه المواد على امتصاص الشوائب الحمضيّة والقطران والمركّبات المؤكسدة، ما يعزّز النقاء الكيميائي للزيت.
4. المرحلة الرابعة – الترشيح النهائي والاختبار
يخضع الزيت لمرشّحات أدقّ لإزالة أي بقايا متناهية الصغر من الوسط الامتزازي أو التلوّث المتبقي. وأخيرًا، تؤخذ عيّنات من الزيت لإجراء قياسات مخبريّة كتحليل الرقم الحمضي (Acid Number)، ومحتوى الماء (Water Content)، وقيمة الجهد العازل (Breakdown Voltage)، والتأكّد من مطابقته للمواصفات القياسيّة العالميّة.
فوائد استخدام جهاز تنقية زيت المحولات
1. إطالة عمر المحوّل الكهربائي
إنّ إعادة تنشيط الزيت والحفاظ على خصائصه العازلة يحدّ من مخاطر الأعطال الكهربائيّة المفاجئة. وبالتالي، يتجنّب المرفق التكاليف الكبيرة الناتجة عن استبدال المحوّل بالكامل أو إصلاح الأجزاء المتضرّرة.
2. توفير في التكاليف ورفع الجدوى الاقتصادية
بدلًا من شراء زيوت جديدة واستبدالها بشكل متكرّر، يتيح جهاز التنقية إعادة استخدام نفس الزيت لفترات طويلة. إلى جانب ذلك، يُقلّل الحفاظ على جودة الزيت من الأعطال الطارئة التي تستوجب إنفاقًا كبيرًا على أعمال الصيانة والإصلاح.
3. تقليل النفايات وحماية البيئة
يترتّب على عدم معالجة الزيت المستهلك تخزينه أو التخلص منه، ما يشكّل عبئًا بيئيًّا كبيرًا. يساهم جهاز تنقية زيت المحوّلات في تقليص كميّات النفايات النفطيّة الملوِّثة ويحدّ من نسبة التلوّث الناتج عن التسرب أو الحرق العشوائي.
4. الحفاظ على جودة الإمداد الكهربائي
يعمل المحوّل ذو الزيت النظيف بكفاءة أعلى ويقلّ احتمال توقّفه المفاجئ عن العمل، ممّا يحافظ على استمراريّة التغذية الكهربائيّة للمستهلكين أو خطوط الإنتاج في المصانع.
5. إمكانيّة التنقية في الموقع (On-site)
توفّر العديد من الشركات المُصنِّعة وحدات تنقية متنقّلة، يمكن نقلها إلى المحطّات الفرعيّة أو أماكن وجود المحوّلات لإجراء عمليّات التنقية فورًا، دون الحاجة لنقل الزيت إلى ورش خارجيّة أو فصل المحوّل عن الشبكة لمدد طويلة.
التطوّرات التقنية والاتّجاهات المستقبلية
شهدت أجهزة تنقية زيت المحوّلات تطوّرًا ملحوظًا في السنوات الماضية، حيث ظهرت تقنيات ذكيّة تعتمد على أنظمة التحكّم الآلي لمراقبة المعايير التشغيلية وضبطها بدقّة. وقد تزايد الاهتمام بدمج تقنيات التنبّؤ والإنذار المبكر؛ إذ يُراقب النظام كميّات الشوائب والغازات، ويصدر تنبيهات عند اقترابها من الحدّ المسموح به. كما تتجه بعض الشركات إلى استخدام مواد امتزازيّة جديدة ذات قدرة أعلى على الامتصاص، بهدف تقليل مدّة المعالجة ورفع نسبة استعادة الزيت.
علاوةً على ذلك، يتوقّع الخبراء توسّع استخدام الذكاء الاصطناعي (AI) في مراقبة جودة الزيت والتنبّؤ بعمره المتبقّي، وذلك من خلال تحليل بيانات التشغيل التاريخيّة والمتغيّرات الحراريّة والكيميائيّة. كلّ هذه التطوّرات تأتي استجابة للطلب المتزايد على طاقة مستقرّة وموثوقة في القطاعات الصناعيّة والخدميّة كافة.
6. نصائح تشغيلية وصيانة دورية
1. التحليل المنتظم للزيت: يُوصى بأخذ عيّنات من زيت المحوّل دوريًّا وفحصها مخبريًّا للوقوف على مستوى الشوائب والتلوّث. هذا يساعد في تحديد الوقت الأمثل لاستخدام جهاز التنقية.
2. فحص المرشّحات: تتراكم الشوائب في الفلاتر بمرور الوقت، لذا يستلزم استبدالها أو تنظيفها وفق جدول صيانة محدّد لتجنّب انخفاض كفاءة الجهاز.
3. التحكّم في درجة الحرارة: يجب ضبط درجات حرارة الزيت أثناء المعالجة بدقّة، فلا تكون منخفضة جدًّا أو مرتفعة إلى مستوى قد يُلحق أضرارًا بالمركّبات المضافة في الزيت.
4. مراقبة مستوى التفريغ: إنّ تحقيق درجة تفريغ (Vacuum) مناسبة في المرحلة المخصّصة لسحب الرطوبة والغازات له أثر كبير على جودة التنقية ونجاح العمليّة.
5. تدريب الكوادر الفنيّة: ضمان تشغيل وصيانة جهاز تنقية زيت المحوّلات يحتاج إلى كوادر قادرة على رصد الأعطال والتعامل معها بسرعة، فضلًا عن القدرة على تحليل نتائج الفحوص المخبرية وتفسيرها.
يُعتَبر جهاز تنقية زيت المحوّلات حلًّا تقنيًّا بالغ الأهميّة في قطاع الطاقة، حيث يضمن المحافظة على أعلى مستويات الجودة لزيت المحوّل، ويُسهم في إطالة عمر المعدّات وخفض التكلفة التشغيلية على المدى الطويل. من خلال عدّة مراحل تتضمّن الترشيح الميكانيكي والتجفيف بالفراغ والامتزاز، يعمل الجهاز على إزالة الشوائب الضارّة واستعادة الخواص العازلة والحراريّة للزيت، ما يرفع موثوقيّة تشغيل المحوّل ويقلّل من مخاطر الأعطال. كما أنّ الاعتماد على هذه التقنيات يدعم أهداف الاستدامة عبر تقليل النفايات النفطيّة وحماية البيئة من أخطار التلوّث. في ظل الطلب المتزايد على الطاقة واستمرار توسّع الشبكات الكهربائيّة، تبدو أجهزة تنقية زيت المحوّلات استثمارًا استراتيجيًّا لا غنى عنه للحفاظ على استقرار الأداء الكهربائي وتحسين إنتاجيّة البنى التحتيّة على المدى البعيد.