تشخيص زيت المحوّلات: الأساس لضمان سلامة الأداء وموثوقيّة التشغيل
يُعَدّ زيت المحوّلات أحد أهمّ العناصر الداعمة لعمل المحوّل الكهربائي؛ فهو يؤمّن العزل الكهربائي اللازم بين اللفات الداخليّة، ويساعد في تبريد الأجزاء الحرجة. ولأنّ المحوّل جزءٌ حيويّ في محطّات الطاقة وشبكات النقل والتوزيع، فإنّ أيّ خللٍ فيه قد يتسبّب بانقطاع التيار أو حدوث أضرار باهظة التكاليف. يبرز هنا دور تشخيص زيت المحوّلات كإجراء رئيسيّ للكشف المبكّر عن أي علامات تدهور أو تلف تطرأ على الزيت، ما يُتيح اتخاذ الإجراءات الوقائيّة في الوقت المناسب ويُطيل عمر المحوّل لأقصى حدّ ممكن.
تشخيص زيت المحولات
أهميّة تشخيص زيت المحوّلات
1. الكشف المبكر عن الأعطال: عادةً ما تسبق العيوب الداخليّة في المحوّل أيّ خللٍ محسوس في الأداء؛ فتكسر العوازل أو ارتفاع درجة الحرارة الداخليّة ينعكسان أوّلًا على خصائص الزيت الفيزيائيّة والكيميائيّة، ما يُتيح فحص الزيت واكتشاف التدهور باكرًا.
2. ضمان سلامة العزل الكهربائي: يوفّر الزيت وسطًا عازلًا يمنع حدوث تفريغات كهربائيّة بين اللفات. وعندما تتغيّر قيمته الحمضيّة أو ترتفع نسبة الماء والغازات فيه، قد يفقد قدرته على العزل ويُعرّض المحوّل لخطر الانهيار الداخلي.
3. اقتصاد الصيانة والتشغيل: الفحص الدوري للزيت يحدّ من التكاليف الباهظة المترتّبة على الأعطال المفاجئة أو تبديل المحوّل قبل انتهاء عمره الفعلي. بالإضافة إلى ذلك، يساعد تشخيص حالة الزيت في تحديد الوقت المناسب لإجراء الصيانة الوقائيّة أو استخدام تقنيّات تنقية واستعادة الزيت بدلًا من تغييره كلّيًّا.
4. تحسين موثوقيّة الشبكة الكهربائيّة: عندما يُحافظ على جودة الزيت، يَحظى المحوّل بأداءٍ مستقرّ، ممّا يضمن استمراريّة التيار الكهربائي وتقليل احتماليّة الانقطاعات المفاجئة أو تلف المعدّات المرتبطة.
العوامل المؤثّرة في جودة زيت المحوّلات
1. الحرارة: يولّد الحمل الكهربائي الدائم درجات حرارة مرتفعة تؤدّي إلى أكسدة الزيت، وتكوّن الرواسب والمواد الحمضيّة، فضلًا عن تسارع تحلّل العوازل الورقيّة.
2. الرطوبة: يتسلّل الماء إلى الزيت إمّا نتيجة وجود شوائب في المواد العازلة أو الرطوبة الخارجيّة، ما يُضعف قيمة الجهد الكهربائي اللازم للتفريغ ويزيد خطر أعطال المحوّل.
3. الملوّثات الصلبة: تنتج عن التآكل الداخلي أو دخول الأتربة من البيئة المحيطة. قد تؤدّي إلى انسداد القنوات الداخليّة في المحوّل وتمنع التدفق الحرّ للزيت.
4. الغازات الذائبة: تتولّد الغازات جرّاء التفاعلات الحراريّة والكهربائيّة الداخليّة، وتعدّ نسبتها من أبرز المؤشرات التشخيصيّة لسلامة المحوّل. من أمثلتها الهيدروجين وأحادي أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون وغازات أخرى.
الاختبارات الأساسيّة لتشخيص زيت المحوّلات
1. اختبار الجهد الانهياري (BDV – Breakdown Voltage)
يعدّ الاختبار الأوّل الذي يُقيَّم فيه مدى قدرة الزيت على العزل. يمرّ تيار كهربائي متصاعد بين قطبين في عيّنة الزيت، ويُسجَّل الجهد الذي تنهار عنده العزلة الكهربائيّة. انخفاض هذه القيمة عن مستوى معيّن يعني وجود نسبة عالية من الماء أو الملوّثات.
2. تحليل الغازات الذائبة (DGA – Dissolved Gas Analysis)
يُعدّ من أهم الاختبارات، إذ يكشف عن نوع الغاز المذوب في الزيت ونسبته. يعطي هذا التحليل مؤشرًا دقيقًا حول طبيعة الأعطال الداخليّة في المحوّل؛ فمثلًا، ارتفاع نسبة غازَي أحادي أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون قد يشير إلى تحلّل في العوازل الورقيّة، بينما يرتبط الهيدروجين والميثان بتفريغات كهربائيّة موضعيّة.
3. قياس محتوى الرطوبة (Water Content)
تُحدَّد نسبة الماء في الزيت لبيان ما إذا كان المستوى ضمن الحدود المقبولة عالميًّا أم تجاوزه، ذلك أنّ الماء يُضعف خصائص الزيت العازلة ويسهم في ارتفاع معدّل الأكسدة والتآكل الداخلي.
4. الفحص الحمضي (Acid Number)
ينتج عن أكسدة الزيت وتفاعله مع العوازل تَشَكُّل مواد حمضيّة تزيد من معدل التآكل في الملفات والمواد العازلة. يحظى هذا الاختبار بأهميّة خاصّة لتحديد مستوى تحلّل الزيت ومدى حاجته إلى المعالجة أو الاستبدال.
5. اللزوجة (Viscosity)
تؤثر اللزوجة في قدرة الزيت على الانتشار والتغلغل في الملفات بهدف التبريد، ويشير تغيرها الواضح إلى احتمالات التلوّث أو التحلّل الكيميائي.
طرق التشخيص وأساليب التحليل
1. الفحص الدوري: يعتمد معظم المشغّلين جدول صيانة محدّدًا (مرّة كل 6 أشهر أو سنويًّا) لجمع عيّنات الزيت وإجراء التحاليل المخبرية.
2. المراقبة الميدانيّة: يمكن استخدام أجهزة رقميّة لقياس الجهد الانهياري ودرجة حرارة الزيت ونسب الرطوبة والغازات. يساعد ذلك في اكتشاف أي تغيير غير طبيعي على نحو فوري.
3. تشخيص الخطأ المتقدّم: يستعين بعض المشغّلين بأنظمة ذكيّة مزوّدة بتحليلات بيانات وتحسينات بالذكاء الاصطناعي (AI) لتوقّع سلوك المحوّل وتحديد الوقت المثالي لصيانة الزيت استنادًا إلى تاريخ الحمل الحراري ونتائج الفحوص السابقة.
تفسير نتائج الاختبارات واتّخاذ القرارات
• انخفاض الجهد الانهياري: قد يعني وجود نسبة عالية من الماء أو الجسيمات الصلبة، ما يستوجب إزالة الرطوبة أو إجراء ترشيح مكثّف للزيت.
• ارتفاع تركيز غازات معيّنة: إذا كشف تحليل DGA عن وجود غاز معيّن بنسبة مرتفعة (مثل الهيدروجين)، فقد يدلّ على شرارات كهربائيّة داخليّة أو انهيارات جزئيّة. يتطلّب الأمر فحصًا تفصيليًا للمحوّل وربما تقليل الحمل أو جدولة صيانة عاجلة.
• رقم حمضي مرتفع: يشير إلى ارتفاع نسبة المواد الحمضيّة والأكسدة، ما يستدعي إجراء معالجة كيميائيّة أو استخدام معدّات الامتزاز لتنقية الزيت وإعادة خصائصه الأصليّة.
• رطوبة زائدة: في حال تخطّت القيم المقبولة، ينبغي تجفيف الزيت تحت ضغط تفريغ منخفض (Vacuum) أو استخدام أجهزة التنقية الميكانيكيّة والحرارية.
سبل المحافظة على جودة زيت المحوّلات بعد التشخيص
1. تنقية الزيت: إزالة المياه والغازات والجسيمات الصلبة عبر وحدات تنقية متقدّمة تدمج أساليب الترشيح والتجفيف بالفراغ والامتزاز.
2. الترشيح المستمر: بعض المحطّات تعتمد وحدات ترشيح تعمل بالتوازي مع تشغيل المحوّل، تضمن بقاء مستوى الشوائب ضمن الحدود المقبولة على الدوام.
3. مراقبة تفريغ الغاز: يمكن تركيب حسّاسات في خزان الزيت للكشف عن ارتفاع الضغط أو وجود فقاعات غازيّة، والتدخّل قبل حدوث أعطال كبيرة.
4. جدولة الصيانة الوقائيّة: وضع خطّة زمنيّة واضحة تشمل التحاليل وتوقيت الإجراءات العلاجيّة، ما يضمن تجنّب المفاجآت.
يشكّل تشخيص زيت المحوّلات عمليّة محوريّة تساهم في الحفاظ على كفاءة المحوّل وسلامته طوال دورة حياته التشغيليّة. فهو يلعب دورًا استباقيًّا في الكشف عن المؤشّرات الأولى للتآكل والخلل الداخلي، ممّا يُتيح للفِرَق الفنيّة معالجة الأسباب ومنع تفاقم الأعطال. وإلى جانب الفوائد الفنيّة، تنعكس هذه الخطوة إيجابًا على الجوانب الاقتصادية بتقليل نفقات الصيانة الطارئة وتبديل الأجهزة، كما تُسهم في ضمان ديمومة الإمداد الكهربائي الذي تعتمد عليه العديد من المرافق الحيويّة والصناعات. على هذا الأساس، يُعَدّ التشخيص الدقيق والمتواصل للزيت استثمارًا استراتيجيًّا لأي جهة تدير محوّلات كهربائيّة، ويشكّل عمادًا لا غنى عنه في منظومة الصيانة وإدارة الأصول الكهربائيّة.