القوّة العازلة لزيت المحوّلات الكهربائيّة: الأساس ومقوّمات الحفاظ عليها
يُعَدّ زيت المحوّلات الكهربائيّة عنصرًا أساسيًا في تصميم وعمل المحوّلات، إذ يضطلع بوظائف متعدّدة تضمن استمراريّة أداء المحوّل بكفاءة عالية. وأبرز هذه الوظائف توفير العزل الكهربائي، حيث يُسمّى أحيانًا بـ”وسط العزل” (Insulating Medium) نظرًا لقدرته على منع حدوث التفريغات الكهربائيّة المضرّة داخل المحوّل. علاوةً على ذلك، يوفّر الزيت وسيلة تبريد تعمل على امتصاص الحرارة ونقلها إلى خارج المحوّل. بيد أنّ ما يُميِّز زيت المحوّلات بالدرجة الأولى هو القوّة العازلة (Dielectric Strength)، والتي تُعبّر عن مدى قدرة هذا الزيت على تحمّل الجهد الكهربائي المُسلّط عليه دون حدوث انهيار في العزل. وفيما يلي توضيح لمفهوم القوّة العازلة لزيت المحوّلات وكيفيّة تقييمها والعوامل المؤثّرة فيها، بالإضافة إلى طرق الحفاظ عليها وتعزيزها.
مفهوم القوّة العازلة وأهميّتها
1.1 تعريف القوّة العازلة
تُعرَّف القوّة العازلة (Dielectric Strength) لزيت المحوّلات بأنّها أقصى قيمة للجهد الكهربائي (عادةً بوحدة الكيلو فولت/ملم) التي يمكن للزيت تحمّلها بين قطبين معدنيّين قبل حدوث شرارة أو انهيار كهربائي جزئي أو كلّي. وتدلّ هذه القيمة على مدى سلامة الزيت من الشوائب الميكانيكيّة والكيميائيّة، وكذلك من حيث محتواه من الماء والغازات، إذ تؤثّر جميعها على أدائه العازل.
1.2 دور القوّة العازلة في عمل المحوّل
• منع التفريغات الكهربائيّة: يعمل الزيت بوصفه حاجزًا مانعًا لمرور التيّار الكهربائي بين الملفّات أو بين أجزاء مختلفة داخل المحوّل. إذا كانت القوّة العازلة منخفضة، يصبح خطر حدوث التفريغات أو القصر (Short Circuit) الداخلي أعلى بكثير.
• المساهمة في موثوقيّة الشبكة الكهربائيّة: يعتبر المحوّل عنصرًا حيويًّا في نقل الطاقة وتوزيعها، لذا فإنّ انخفاض القوّة العازلة للزيت قد ينعكس سلبًا على أداء المحوّل، ويزيد احتماليّة حدوث أعطال عامّة تتطلّب نفقات كبيرة للإصلاح أو الاستبدال.
• السلامة والتشغيل المستقر: إنّ الحفاظ على مستوى عالٍ من القوّة العازلة يحدّ من مخاطر الانهيار الكهربائي المفاجئ الذي قد يُتلِف ملفات المحوّل والعوازل الورقية والمكوّنات الأخرى.
2. العوامل المؤثّرة في القوّة العازلة لزيت المحوّلات
1. نسبة الماء (Humidity): إنّ وجود الرطوبة ولو بكميّات بسيطة في الزيت يُضعف قدرته العازلة بشكل كبير، لأنّ الماء يساهم في تكوين مسارات موصّلة للتيّار.
2. الشوائب الصلبة: قد تنتج هذه الشوائب عن تآكل أجزاء معدنيّة داخل المحوّل، أو نتيجة دخول غبار وأتربة من البيئة الخارجيّة. تؤدّي الجسيمات الصلبة إلى تركيز المجال الكهربائي في نقاط معيّنة (تُسمّى شحنة الفضاء)، ما يُسرّع انهيار الزيت عند قيم جهد أقل من المتوقّع.
3. الغازات الذائبة: تتكوّن غازات مختلفة بفعل التفاعلات الحراريّة أو الكهربائيّة داخل المحوّل، مثل الهيدروجين والميثان والإيثيلين والأسيتيلين. ارتفاع نسبة بعض هذه الغازات قد يكون دليلًا على احتراق موضعي أو تفريغات جزئيّة، ما ينعكس سلبًا على القوّة العازلة.
4. الأكسدة وتكوين الأحماض: عند ارتفاع درجة حرارة الزيت لفترات طويلة وعدم توفّر تبريد فعّال، يحدث أكسدة للزيت وتتكون مركّبات حمضيّة تهاجم العوازل الورقيّة وترفع اللزوجة، فتُقلّل فعاليّة انتقال الحرارة وتُضعف الخواص العازلة.
5. درجات الحرارة: تتغيّر لزوجة الزيت وخصائصه الكيميائيّة مع تغيّر درجة الحرارة. درجات الحرارة العالية تُسرّع تكوّن الشوائب والأحماض، فيما الدرجات المنخفضة جدًّا قد ترفع اللزوجة وتُقيّد حركة الزيت.
3. طرائق قياس القوّة العازلة لزيت المحوّلات
يُعرَف الاختبار الشائع لقياس القوّة العازلة لزيت المحوّلات بـاختبار الجهد الانهياري (BDV – Breakdown Voltage Test). في هذا الاختبار:
1. أخذ العيّنة: تُؤخَذ عيّنة من الزيت بطريقة تضمن عدم تلوّثها بالهواء أو الرطوبة الخارجيّة.
2. الجهاز المستخدم: تُوضَع العيّنة في إناء خاص فيه قطبان معدنيّان (أو إلكترودان) تُحدَّد المسافة بينهما بدقّة (عادةً 2.5 مم أو 2 مم).
3. رفع الجهد تدريجيًّا: يُسلَّط جهد كهربائي متناوب (AC) يزداد تدريجيًّا حتى تظهر شرارة بين القطبين تُعبّر عن الانهيار الكهربائي للعازل.
4. تسجيل النتيجة: تُسجَّل القيمة عند اللحظة التي يحدث فيها الانهيار. غالبًا ما يُكرَّر الاختبار عدّة مرّات ويتمّ أخذ المتوسّط.
5. المقارنة بالمعايير: هناك معايير عالميّة (مثل IEC أو ASTM) تحدّد القيم الدنيا المقبولة للقوّة العازلة لزيت المحوّلات. فإذا كانت القيمة دون الحدّ المسموح، قد تحتاج العيّنة إلى تنقية أو معالجة.
4. سُبُل الحفاظ على القوّة العازلة وتعزيزها
4.1 التنقية الدورية للزيت
أبرز ما يتوجّب على المشغّلين أو أقسام الصيانة فعله هو تنقية الزيت بشكل منتظم. وتتضمّن هذه التنقية:
• الترشيح الميكانيكي: لإزالة الشوائب الصلبة.
• التجفيف بالفراغ (Vacuum Dehydration): للتخلّص من الماء والغازات الذائبة في الزيت.
• الامتزاز (Adsorption): أحيانًا تُستخدَم مواد مثل الطين المنشّط أو السليكا جيل لامتصاص المركّبات الحمضيّة التي تكوّنت بفعل الأكسدة.
4.2 الرقابة على درجة الحرارة
تفعيل أنظمة تبريد فعّالة والحدّ من التحميل الزائد على المحوّل يقلّل من معدّل أكسدة الزيت. كما يُفضَّل متابعة درجة حرارة الزيت لضبطها ضمن الحدود الموصى بها من قِبَل الشركة المصنِّعة للمحوّل.
4.3 منع الرطوبة
الحرص على منع دخول الماء إلى منظومة المحوّل بأيّ شكل؛ سواءً عبر منع تسريب المياه أو الرطوبة من الأختام (Gaskets) والفتحات، أو عبر تخزين الزيت في أوعية محكمة الإغلاق وبعيدة عن المناطق الرطبة.
4.4 الفحص الدوري والمراقبة المبكّرة
• اختبار الجهد الانهياري (BDV): يُنصَح بإجرائه بصفة دوريّة (مثل مرّة كل 6 أشهر أو عام) أو وفق توصيات مصنّع المحوّل.
• تحليل الغازات الذائبة (DGA): لمعرفة ما إذا كان هناك أي تفريغات داخليّة أو احتراق موضعي في مراحله المبكّرة، والتي تؤثّر بدورها في جودة العزل.
• اختبار الرقم الحمضي: يُستَدلّ به على مستوى الأكسدة وتكوّن الأحماض في الزيت.
5. المؤشّرات الدالّة على انخفاض القوّة العازلة
1. انخفاض الجهد الانهياري في الاختبارات: إذا ظهرت قيم منخفضة بشكل متكرر في اختبار BDV، فهذه إشارة مباشرة على تدهور الخواص العازلة.
2. زيادة في نسبة الرطوبة: عند ملاحظة ارتفاع مستوى الماء في نتائج الاختبار (Parts per million – ppm)، فإنّ القوّة العازلة حتمًا قد انخفضت.
3. تكوّن الرواسب والطين (Sludge): يمكن ملاحظة رواسب قطرانيّة في القاع أو تغيّر لون الزيت إلى درجة داكنة جدًّا، نتيجة تفاعل الأحماض مع العوازل الورقيّة والمعدنيّة.
4. ارتفاع نسبة الغازات الدالّة على احتراق شديد: مثل الأسيتيلين أو الإيثيلين في تحليل الغازات الذائبة.
6. الأثر الاقتصادي والبيئي للحفاظ على القوّة العازلة
• إطالة العمر الافتراضي للمحوّل: عندما يحافظ الزيت على قوّته العازلة العالية، تقلّ معدّلات التلف وتآكل اللفات الداخليّة والعوازل. بذلك يتجنّب المشغّل التكاليف الباهظة لشراء محوّل جديد.
• رفع كفاءة استخدام الطاقة: إنّ عمل المحوّل بكفاءة يعني تقليل الفواقد الكهربائيّة، ما ينعكس على تكلفة تشغيلية أقلّ ويمنح الشبكة استقراريّة أفضل.
• تقليل النفايات النفطيّة: عبر تنقية الزيت باستمرار، يُعاد استخدامه عدّة مرّات بدلًا من التخلّص منه واللجوء إلى شراء زيوت جديدة، الأمر الذي يحدّ من التلوّث النفطي.
• سلامة العاملين والأصول: انخفاض القوّة العازلة قد يؤدّي إلى حوادث كهربائيّة أو انفجار جزئي داخل المحوّل، ما قد يتسبّب بخسائر مادّية ويهدّد سلامة العاملين.
7. خاتمة
لا شكّ أنّ القوّة العازلة لزيت المحوّلات الكهربائيّة هي العنصر الرئيس الذي يحدّد مدى أمان المحوّل وقدرته على أداء وظيفته بشكل موثوق. ومع تعرّض المحوّلات لضغوط تشغيلية متواصلة ودرجات حرارة متفاوتة، يصبح الحرص على الحفاظ على مستوى مرتفع من القوّة العازلة تحدّيًا حقيقيًّا. لكن ما إن توضع خطط واضحة للفحص الدوري وتنقية الزيت ومراقبة درجة الحرارة والرطوبة، حتى تتحوّل هذه التحدّيات إلى فرص لتمديد عمر المحوّل وتحسين كفاءة التشغيل بشكل عام. وفي ظلّ توسّع الشبكات الكهربائيّة واعتماد العالم المتزايد على الطاقة، يبدو الاهتمام بتعزيز الخواص العازلة لمكوّنات الشبكة—لا سيّما زيت المحوّلات—من الأولويّات التي لا غنى عنها.